English | Kurdî | کوردی  
 
محكمة اتحادية مسيسة عبر دستور عراقي مخترق...شڤان ابراهیم
2022-02-24 [02:38 AM]


التسمية الأكثر والأفضل لشرح الوضع العراقي لا يتجاوز إنه استلاب الدولة والصراع لأجل استدامة الصراع الأهلي، حيث منطق اللادولة، وإن تحدثت النخب السياسية عن الدولة بالمفهوم السياسي-الإداري-العسكري، فهي لا تخرج عن كونها نكتة سمجة، فلم تنجح أي حكومة من أداء وظيفتها في فرض هيبة وعظمة الدولة؛ كونها-الحكومة- هي أساسا سبب البلاء في تفسخ النسيج السياسي وتغذية كارتيلات السلطة ضمن ذاتها، وبل هي الداعمة الرئيسية للسلاح المنفلت ثم ضبط السلاح في جماعات غير منضبة ضمن أي هيكلية دستورية، بل وإنها هي السبب المباشر في تغول "قوى اللادولة" وسيطرة إيران على الحياة العراقية بتفصيلاتها وجزئياتها الدقيقة، وبقيت الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في العراق مرتخية وضعيفة ولا قوة لها أمام كل الخارجين عن القانون والسلطة الموازية لها، ومن كان يتباكي على مكونات العراق، ويحذر من أي اقتتال أهلي، هم اليوم الطرف الأساس في زيادة وتيرة العنف ضمن المجتمع العراقي، ففشلوا في الانتخابات وطعنوا بها ثم تكتلوا ورفضوا تكتل الآخرين إلا بما يحفظ لهم وجودهم، بعد أن بددت الجماهير ماء وجههم.

 

ما يجري في العراق منذ عشية الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني2021 لا جديد فيه سوى تغيير قواعد المواجهة وتبديل الغطاء، واستمرار صراع السيطرة على النفوذ المالي والسياسي تحت ستار التوافق؛ فهو صراعٌ يمتاز ببنية معقدة ومركبة ومتداخلة حيث قوى عراقية شيعية مرتبطة بطهران، ومتعاكسة في بغداد، وقوى سنية تعارض نظيرتها الشيعية وتضطر للتوافق معها، ورغبة واضحة لتحجيم النفوذ الكوردستاني قابله رغبة الكورد أيضاً في توسيع النفاذ السياسي والمشاركة في القرار ، سواء خوفاً من إعادة سيناريوهات الأنظمة العراقية السابقة، أو رغبة في مشاركة بناء العراق الجديد، وكل تلك القوى بقيت تخشى وتخاف من بعضها البعض، لكنها تضطر للتعامل والتوافق السياسي، وفي خلفية تلك السنوات كبرت الجماعات المسلحة ذات الهويّة الغائبة دستورياً، وواضحة التوجه الهويّاتي ممارساتياً، والصراع العراقي هذه المرة أكثر مرارة، فارتدادات خسارة الكتل السياسية المقربة من إيران في الانتخابات المؤخرة مزقت تحالف الكتل السياسية من الداخل كما يحصل لدى التحالف  الكوردستاني، والبيت الشيعي، والتوافق السني.

 

المشهد تراجيدي فعلاً، وبعد نجاح ثورة الشباب العراقي في كسر طوطم الانتصار الأبدي لتلك الكتل، وجعلت من كُل حملاتهم وتلاعبهم بالدستور وبالاً عليهم، وبعد أن منيت بأربع خسائر متتالية الأولى نتائج الانتخابات، والثانية في عدّم تمكنها إلغاء نتائجه، والثالثة فشلت في إعادة عجلة الانتخابات، والرابعة لم تتمكن من السيطرة على الشارع. عاد المهزومون دستورياً عبر صناديق الاقتراع، والمدافعون عن السلطة الخفية ضمن الحكومات العراقية، إلى المحكمة الاتحادية. المفارقات شديدة القسوة والوضوح، من أول الهرم إلى أخره سرقوا مقدرات هذه البلاد وساهموا في تحويل العراق إلى حلبة صراعٍ إقليمي، ونكلوا بالدستور بشكل مستدام، والعراقيون يدركون أن هؤلاء مسؤلون عن ماساتهم، ويعلم المسؤولون أن الشارع العراقي مدرك لهذه الحقيقة، لكنهم يستمرون في "التقية السياسية" والسيطرة على حيوات ومقدرات جيلين كاملين. لتصبح أكثر المواضيع مهيجة للخطر والحرب الداخلية، هو ما فعلته الكتّل السياسية بالدستور العراقي، فالكل أخترق الدستور، ولعل أكثر مساحات الأمان توفراً لمخترقي الدستور ومنتهكيه، هي مساحة دعوة تطبيق الدستور للمحاسبة.

 

لا يخفى أن المعركة الأساسية هي التدخلات الإقليمية التي جعلت من العراق ساحة لتصفية الحسابات التاريخية، وسوقاً سياسياً لتصريف الخلافات والمشاريع المدرة للأرباح المالية والمنافع السياسية، لتأتي الأدوات المحلية وهدر المزيد من الدماء لترسيخ معركة فرض السلطة والنفوذ، ووجدت الكتل العابرة للهويّة العراقية ضالتها بالمحكمة الاتحادية، ففي الأيام الماضية تابع العالم مجريات قرارات المحكمة الاتحادية العليا بخصوص منع ترشيح "هوشيار زيباري" لمنصب رئيس جمهورية العراق، بحجة وجود دعاوى قديمة ضده، وعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كوردستان الصادر لعام 2007، وإلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية بسبب وجود دعوتين ضد الإقليم في 2012، و2019، والمحكمة الاتحادية العليا هي أعلى محكمة في العراق، تختص في الفصل في النزاعات الدستورية، وأُنشأت المحكمة الحالية في2021، وبقيت الدعاوى كُلها دون البت بها، حتّى أقترب موعد التصويت لرئاستي الجمهورية والوزراء وهي نفسها المحكمة التي تناست أن نفط الجنوب وموارد ميناء البصرة يُعتبر هبّة عراقية لبعض دول الجوار والفساد المنظم، ما يثبت "تسييس المحكمة" خاصة مع المواد /112و 115/ من الدستور العراقي الذي ينص على شراكة الإقليم مع المركز في ملف النفط والغاز، وأولوية القوانين التي تصدرها الأقاليم على قرارات المركز فيما يخص النفط والغاز في كل خلافٍ بينهما. وبعد هدوء لثلاث سنوات، أُعيد تحريك ملف الطاقة بين المركز وحصراً إقليم كوردستان دوناً عن باقي المناطق، للنيل من مرشح تحالف الهويّات لرئاسة الجمهورية ودعاة الحكومة القوية عن تحالف /عزم-تقدم-الديمقراطي-الصدر/ وهو خليط سني، شيعي، كوردي، مسيحيين، تركمان.

 

قضية هوشيار زيباري وقانون النفط والغاز هو انتقام معقد لا يمكن تفكيكه بسهولة، فهؤلاء ينتقمون من مقتدى الصدر لدفاعه عن تحالفه مع البارزاني ورفضه التوافق والتحالف مع "الإطار التنسيقي"، وينتقمون من السنة لإصرارهم على تبني مرشح الحزب الديمقراطي الكوردستاني لرئاسة العراق، وينتقمون من الحزب الديمقراطي الكوردستاني لمواقفه القومية الوازنة والمتوازنة مع البعد الوطني الذي يأس منه ومن إيجاد هويّة جامعة للعراقيين، والمفارقة الكبرى أن تتجه كوردستان العراق لفقدان الهويّة الكوردستانية الجامعة في البرلمان العراقي، فالإتحاد الوطني الكوردستاني يقف في الطرف المقابل ويشارك في الصراع السياسي، وإصراره على عدّم تبديل مرشحه الذي لم ينل /150/صوتاً، يعني من بين ما يعنيه، عدّم الفوز أو"لم يضحك أخيراً"، وبالعموم فإن فوز أي من مرشحي الإتحاد الوطني أو الكوردستاني الديمقراطي بدون سنّد كوردي وازن سينعكس سلباً على قوته والقوة الكوردية في بغداد، وسيعني تراجع كبير للدور الكوردستاني في بغداد، خاصة وأن الخلافات حول ملفات محورية كطبيعة العلاقة بين الإقليم والمركز، وقانون النفط والغاز، والميزانية، والمناطق الكوردستانية خارج سيطرة الإقليم، مناطق الــ/140/...إلخ بحاجة إلى كتّلة كوردية صلبة متوافقة ومتراصة، وهي المفقودة أصلاً بين الأحزاب الكوردية الواصلة إلى البرلمان العراقي.

 

اللوحة العراقية تتجه صوب اقتراب الانفجار الأعظم، وهو بطبيعة الحال جزء من حالة الغليان السياسي والشعبي والأمني والعسكري في عموم دول الربيع العربي، وبيان رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني السيد مسعود بارزاني، واضح بخصوص قانون النفط الغاز وتخيير القوى السياسية العراقية بين احترام حقوق شعب كوردستان، أو أن كوردستان مستعدة لدفع كل ما يلزم للدفاع عن حقه ، وإعلانه عن المرشح الجديد لرئاسة العراق يدخل في الخانة نفسها، ولعل الإتحاد الوطني الكوردستاني يساهم في إنقاذ الموقف ويعلن عن ترشيح شخصية توافقية، ويبدي موقفاً في مواجهة قرار المحكمة الاتحادية حول قانون النفط والغاز الذي يضر كل الإقليم وليس الديمقراطي الكوردستاني فقط.

 

قصارى القول: الانسداد الحاصل في العملية السياسية العراقية، أتت على كامل العراق، ولم تسلم منها القوى الكوردية ، وهي تنعكس سلباً على مجمل قضايا الإقليم الداخلية من جهة، ومن جهة ثانية على مصالحها في بغداد، وهو ما لايمكن الاستمرار فيه، خاصة وأن المحكمة الاتحادية أفضحت عن توجهاتها "المبيتة" ومن الممكن أن تُكثر من وضع العراقيل في كل مناسبة، والصراع على رئاسة الجمهورية العراقية ورئاسة مجلس الوزراء يرتبطان مباشرة بالرؤى السياسية المستقبلية لمصير كوردستان وشعبه، ودور ومكانة العراق في الاصطفافات الإقليمية القادمة.

 





مشاهدة 1180
 
 
معرض الفیدیو
أقوي رجل في العالم
لا تقتربوا من هذا الرجل العجوز
فيل صغير يصطاد العصافير
تصارع على الطعام
لاتضحك على احد لكي لا يضحكوا عليك
 
 

من نحن | ارشیف | اتصل بنا

جمیع الحقوق محفوظة وكالة أنباء زاگروس

Developed By: Omed Sherzad