English | Kurdî | کوردی  
 
نجوى النفس وتناقضات العقل... سمير ميراني
2023-09-01 [08:24 AM]


(نسيج أدبي من الشعورية والوجدانية)

 

  لاذت النفس المنهكة المرهقة، تنأى بأمرها للصمت طوعًا وتأملًا، تلتمس العزلة للروح طمأنينة، لا تبتغي للأثيل حرجاً، بل رفع ذكره حرمةً لعِلّو شأنه، الذي أجزل لها العطاء وأكثره، لا نادمًا ولا مُنهزماً، والصمت في حضرة الكرام رزانة ومغنمٌ، تجارةٌ مربحةٌ ومكسبٌ للقيّم، حَرثهُ احترام الذات الطبيعية، وتسامح الضمير مع المراد من النوايا في الوجود.

   هدوء الحال ساكن المقال، ليس كما الراكد من الماء غير رائق، عكر المزاج ومُرّ المذاق، وإن أغدقه الهموم في الأعماق، إنما تدعيمًا للذهن وتنزيه العقل وتجريده من جشع الأفكار العتيقة وعيوبٍ بغيضة لامتناهية.

  كظيم الغيظ مناجي العون، عوض الكلام في استرسال الخطاب، يقينًا بالتغيير لا الثبات، وسيرورة الحياة لابدّ لها من تنوُّع وتناغُم للرقي قُدُمًا، باختلاف الأجناس والعقول وتبايُن الأفكار وتهافت الآراء، تلكم نواميس الطبيعة الكونية وأوامر سماوية خارج الإرادة الإنسانية.

  عِلّة الإدراك شقاء العقول وبؤس الخيارات فهم مرارته، قناعة النفس بالرضا حسنة من آداب الإيمان، تعّقل، وتأنّ لمّا يشتد الزلّات وقت الأزمات، تفاديًا للوقوع في إثم النقاش الهدّام. وتقشف الكلم إيذانًا ببدء السلام، ونفي المعاناة التي تولد من رحم الخوف والقلق نتيجة تردُّد النفس وتبريرات العقل في استعراض القدرة والتباهي والتفاخر، مسببًا الصراع والتشاجر بين العقل المتعصب والنفس اللوامة انتصار أحدهما يفضي إلى فناء الروح الإنساني، وديمومتها يخضع للفهم والاحترام المتبادل.

   ولرفع اللغط عن فوضى الخطيئة، انحسر الزمان وأزال الدهر أمنه عن صفوة الإنسان، وتعرّت الأخلاق تنافرًا بين عقلٍ صالحٍ عالم ممزق في المآسي صابر، ونفس طالح جاهل محب للمعاصي جذوعٍ جابر، لا العيب ذمّ هذا المخلوق المهزوم المتباهي، ولا الزمان يُعاب، فما عيب الزمان إن كان الكسوف للشمس نصيب بهاء، والنجوم تتزاحم بلا حياء في فيض مِكْثار.

   إنه حديث نبيل خالٍ من الألم تدور فصوله بلا إجابات متعبة، يعود كالعُرجْون في أفق معرفية بين عالم الحقيقة والاعتقاد، يجمع بين أوهام النفوس المتهافتة وهواجس العقول المتناقضة.

مأساة صامتة هي فقدان التوافق والتوازن في كينونة الإنسان، ومعضلة مؤلمة هي معاناة العقل من تناقض الفكر، يخيّره إمّا الرحيل بإحسان بلا تذمُّر، أو بقاءٍ بالمعروف بلا وُجُوم، نزاعات لامتناهية يخوضها النفس الإنسانية، يسعى للفضيلة في عالم تسوده الخطيئة، يُسوّر العقل توجهاته بأفكار كثيرة لنشر الخير والعطاء، فيحصد جزاء حرثها أقنعة من الشر وقيود التبعية، التي تبغض الحرية جوهر الفضيلة.  

   تهافت الأنفس على الرغبات التفاضلية المبهرجة، يقود إلى إفراغ العقول من غزارة الأفكار البناءة، وتضييق الخناق عليه نتيجة تضارب الآراء، وتسخير التناقضات كحجج واهية في مواجهة الإنسان، ليسقط عنه القدسية الروحية، ويتقلص كيانه الذي خُلِق في أحسن تقويم، ويتحوّل إلى كتلٍ من العاهات المقززة عالّة على الإنسانية، إن عاهة متسوّل الاهتمام فَقْد الكرامة، وعار مقلد الأفكار مذلة النفس، ذلك وهمٌ من أخطر القيود، حقيقة جارحة وقاسية، بمدلولات يرفضها فهم الإنسان المتحطم ألماً من النظرات السلبية الخبيثة للعقول المصابة بداء الفكر الزائف والبصيرة الضبابية.

   تجاوز عصرنا المزدهر بالمتناقضات، المنطق النصفي، للحكيم ابن سينا، وأدركنا بأن الوهم داء والفهم دواء، وما بين الألم والأمل، وهمٌ سقيم مقيت مُهلك للنفس مثل الهذيان موتاً حين الغرق جهلًا، وفهم سليم مبين لطيف للبصيرة، محفّز يحرر العقل من قيود الخوف والمكيدة، مقاوم لهلوسة الغرور المعدية المشينة، فإمّا دواءٍ ينعش، وينمّي المعين الأصيل وينتشل العقل من مهلكات السلوك المعرفي، أو داءٍ يفني الهجين المتطفل المتأجج الذهاني.

أيها الناس ابحثوا عن الإنسان القابع في أعماق أنفسكم، الذي يشرح الصدور، وينزّه العقول، ويضع الأوزار الثقال، احملوا قناديل الحقيقة المضيئة بنور الحرية، وابحثوا عن مصداقية الهموم بين طيات الفجور، ثم اتبعوا سببًا، بثّوا لمعالي الأخلاق شكواكم ما لا تسطيعون نطقه في حضرة النفوس المتعالية، لعلكم تفلحون.

 





مشاهدة 784
 
 
معرض الفیدیو
أقوي رجل في العالم
لا تقتربوا من هذا الرجل العجوز
فيل صغير يصطاد العصافير
تصارع على الطعام
لاتضحك على احد لكي لا يضحكوا عليك
 
 

من نحن | ارشیف | اتصل بنا

جمیع الحقوق محفوظة وكالة أنباء زاگروس

Developed By: Omed Sherzad